3 المجاهدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المجاهدة:
وهو أنه إذا حاسب نفسه فرآها قد قارفت معصية فينبغي أن يعاقبها بالعقوبات الت مضت، وإن رآها تتوانى بحكم الكسل في شيء من الفضائل أو ورد من الأوراد فينبغي أن يؤدديها بتثقيل الأوراد عليها ويلزمها فنونًا من الوظائف جبرًا لما فات منه وتدراكًا لما فرط، فهكذا كان يعمل عمال الله تعالى، فقد عاقب عمر بن الخطاب نفسه لما فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قمتها مائتا ألأف درهم، وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة، وأخّر صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين، كل ذلك مرابطة للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها.
فإن قلت: إن كانت نفس لا تطاوعني على المجاهدة والمواظبة على الأوراد فما سبيل معالجتها؟ فأقول: سبيلك في ذلك أن تسمعها ما ورد في الأخبار من فضل المجتهدين(1). ومن أنفع أسباب العلاج أن تطلب صحبة عبد من عباد الله يجتهد في العبادة فتلاحظ أقواله وتقتدي به، وكان بعضهم يقول: كنت إذا اعترتني فترة في العبادة نظرت إلى أحوال محمد بن واسع وإلى اجتهاده فعملت على ذلك أسبوعًا.
وقال أبو الدرداء: لولا ثلاث ما أحببت العيش يومًا واحدًا: الظمأ لله بالهواجر، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب التمر. وكانت ابنة الربيع بن خيثم تقول له: يا أبتِ ما لي أرى الناس نامون وأنت لا تنام؟ فيقول: يا ابنتاه إن أباك يخاف البيات. ولما رأت ام الربيع ما يلقى الربيع من البكاء والسهر نادته ا بني لعلك قتلت قتيلا! قال: نعم يا أماه, قالت: فمن هو حتى نطلب أهله فيعفو عنك؟ فوالله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك، فيقول يا أماه هي نفسي

وقال رجل من النُّسّاك: أتيت إبراهيم بم أدهم فوجدته قد صلى العشاء فقعدت أرقبه فلف نفسه بعباءة ثم رمى بنفسه فلم ينقلب من جنب إلى جنب الليل كله حتى طلع الفجر، وأذّن المؤذن إلى الصلاة ولم يحدث وضوءًا، فحاك ذلك في صدري فقلت له: رحمك الله قد نمت الليل كله مضطجعًا ثم لم تجدد الوضوء، فقال: كنت الليل كله جائلًا في رياض الجنة أحيانًا وفي أودية النار أحيانًا فهل في ذلك نوم؟!.
ويروى عن رجل من أصحاب علي بن أبي طالب رض الله تعالى عنه أن قال: صليت خلف علي رضي الله عنه الفجر فلم سلم انفتل عن يمينه وعليه كآبة فمكث حتى طلعت الشمس ثم قلب يده وقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما أرى اليوم شيئًا يشبههم كانوا يصبحون شعثًا غبرًا صفرًا، قد باتوا لله سجدًا وقيامًا، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، وكأن القوم باتوا غافلين - يعني من كان في زمنه - .
فهكذا كانت سيرة السلف الصالحين في مرابطة النفس ومراقبتها. فمهما تمرّدت نفسك عليك وامتنعت من المواظبة على العبادة فطالع أحوال هؤلاء فإنه قد عزّ الآن وجود مثلهم، ولو قدرت على مشاهدة من تقتدي بهم فهو أ،جع في القلب وأبعث على الاقتداء فليس الخبر كالمعاينة، وإذا عجزت عن هذا فلا تغفل عن سماع أحوال هؤلاء، فإن لم تكن إبل فمعزى، وخيّر نفسك بين الاقتداء بهم والكون في زمرتهم وغمارهم - وهو العقلاء والحكماء وذوو البصائر ف الدين - وبين الاقتداء بالجهلة الغافلن من أهل عصرك، ولا ترضَ لها أن تنخرط في سلك الحمقى وتقنع بالتشبه بالأغبياء وتؤثر مخالفة العقلاء. وحكايات المجتهدين غير محصورة، وإن أردت مزيدًا فعليك بالمواظبة على مطالعة كتاب حلة الأولياء فهو مشتمل على شرح أحوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبالوقوف عليه يستبين لك بعدك وبعد أهل عصرك من أهل الدين. فإن حدثتك نفسك بالنظر إلى أهل زمانك وقالت: إنما تيسر الخير في ذلك الزمان لكثرة الأعوان، والآن فإن خالفت أهل زمانك رأوك مجنونًا وسخروا بك فوافقهم فيما هم فيه وعليه، فلا يجري عليك إلا ما يجري عليهم والمصيبة إذا عمّت طابت - فإياك أن تتدلى بحبل غرورها وتنخدع بتزويرها، وقل لها: أرأيت لو هجم سيل جارف يغرق أهل البلد وثبتوا على مواضعهم ولم يأخذوا حذرهم - لجهلهم بحقيقة الحال - وقدرت أنتِ على أن تفارقيهم وتركبي في سفينة تتخلصين بها من الغرق فهل يختلج في نفسك أن المصيبة إذا عمّت طابت؟ أن تتركين موافقتهم، وتستجهلينهم في صنعهم، وتأخذين حذرك مما دهاك، فإذا كنت تتركين موافقتهم خوفًا من الغرق، وعذاب الغرق لا يتمادى إلا ساعة، فكيف لا تهربين من عذاب الأبد وأنت متعرضة له في كل حال؟ ومن أين تطيب المصيبة إذا عمّت ولأهل النار شغل شاغل عن الالتفات إلى العموم والخصوص؟ ولم هلك الكفار إلا بموافقة أهل زمانهم حيث قالوا:" إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون" (الزخرف 23) فعليك إذا اشتغلت بمعاتبة نفسك وجملها على الاجتهاد فاستعصت أن لا تترك معاتبتها وتوبيخها وتعريفها سوء نظرها لنفسها فعساها تنزجر عن طغيانها.

المصدر: سعيد حوى، المستخلص في تزكية الأنفس، ص129-131 .



_________



1- الأخبار الواردة في حق المجتهدين أخرجها أبو داود وله وللنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح:" رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته".



3 بصمات ذهبية..~:

بهجت يقول...

حفظك الله يا دعاء

دعاء غنايم يقول...

السلام عليكم
وحفظك الله ورعاك
وثبّتك على الحق..
وجعل ثياب السندس ثيابك..
اللهم آمين
..
بوركت على تواجدك هُنا دائمًا
كن بخير..وفي حفظ الله ورعايته

بهجت يقول...

السلام عليكم
سبحان الله قضى من عمري 26 سنه لم اشعر باني كنت اعيش الا عندما اصبحت اجاهد نفسي على الطاعه

أضف تعليق

همساتكم تفرحني

تصميم وتطوير - مدونة الاحرار - 2011.